أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

طبيعية أم مفتعلة؟:

كيف يمكن مواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط؟

11 نوفمبر، 2014


أدى تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، في واحدة من أقصى موجات انخفاض أسعاره منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، إلى تنامي القلق لدى العديد من صانعي القرار في الدول النفطية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، بشأن المستقبل الاقتصادي والآثار المترتبة على هذا التطور السلبي على اقتصاد هذه الدول.

وتأتي هذه التغيرات الاقتصادية في ظروف عالمية وإقليمية غير مستقرة؛ مما يزيد من صعوبة الأزمة، حيث تشهد مناطق الإنتاج توترات سياسية، خاصةً منطقة الشرق الأوسط، وروسيا التي تواجه حرباً باردة جديدة مع الطرفين الأوروبي والأمريكي، فضلاً عن العوامل المناخية الدافعة لزيادة الاستهلاك العالمي خلال فصل الشتاء، والتي كان من المفترض معها أن تزيد أسعار النفط لا أن تنخفض. لذا لابد من الوقوف على الأسباب والسيناريوهات الكامنة وراء انخفاض سعر النفط، على نحو يمكن معه طرح عدد من البدائل لمواجهة التداعيات المحتملة.

سيناريو الأزمة الطبيعية

يُفترض أن هذه الأزمة طبيعية نتيجة للعوامل المذكورة أدناه من دون وجود عامل سياسي أو استراتيجي مؤثر، وهو ما يفترض معه أن تعمل كل دولة على تلافي الآثار السلبية الواقعة والمتوقعة مستقبلاً على هيكلها الاقتصادي باتباع حزم وسياسات مالية بديلة تزيد من انضباط الموازنة العامة.

وفق هذا التصور يعزى الانخفاض الكبير في سعر النفط إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، نتيجة لحالة السيولة الشديدة، وعدم اليقين الذي ينتاب المشهد الاقتصادي العالمي ليصل سعر النفط إلى أدنى مستوى له منذ منتصف عام 2012، حيث انخفض سعره من 114 دولاراً في مطلع العام الحالي إلى نحو 80 دولاراً في أواخر العام، وبنسبة انخفاض تتجاوز 25%؛ وهو معدل مؤثر في موازنات الدول النفطية التي ترى أن 100 دولار للبرميل سعراً عادلاً ومقبولاً، وقد تم تدعيم هذا الاتجاه الهبوطي بانخفاض الطلب العالمي على النفط، خاصةً من الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان، حيث قللت الولايات المتحدة من اعتمادها على بترول الشرق الأوسط، وزادت من استقلالية سياسة الطاقة الخاصة بها، وعمدت إلى تطوير الإنتاج من مصادر جديدة، حيث زادت من إنتاجها للنفط منذ العام 2008 حتى الآن بنسبة 70%.

وقد تراجع الطلب العالمي بشدة نتيجة لضعف الاستهلاك، وتراجع النمو الاقتصادي في البلدان المستهلكة للنفط بشكل كبير، فقد سبق أن توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاعاً كبيراً في الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأخير من عام 2014 بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً ليصل إجمالي الطلب العالمي إلى 93.9 مليون برميل، لكن الواقع أن الاستهلاك لم يرتفع حتى الآن إلا بمقدار 990 ألف برميل.

وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد أدى ارتفاع سعر الدولار في مقابل العملات الرئيسية إلى تراجع الطلب العالمي على النفط مع بدء تعافي الاقتصاد الأمريكي ومع التحول التدريجي لبنك الاحتياطي الفيدرالي عن سياسة "التيسير الكمي" ولذا ربما يتجه سعر صرف الدولار إلى مزيد من الارتفاع خلال الفترة القادمة. ولأن النفط مقوم بالدولار، فإن سعره يتناسب تناسباً عكسياً مع سعر صرف العملة الأمريكية، أي أنه على الرغم من انخفاض سعر البترول، فإن الدول المستوردة تدفع مبلغاً أكبر من الدولارات مقابل البرميل الواحد نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل عملاتها.

كما زاد عدد من الدول المنتجة للنفط من الإمدادات النفطية لتغطية الانخفاض في إنتاج بعض الدول التي تشهد اضطرابات سياسية تؤثر على إنتاجها النفطي مثل العراق وليبيا دون أن تأخذ بحسبانها هذا العامل المؤثر - ارتفاع سعر الدولار- ما أدى إلى وفرة في المعروض مقابل ضعف في الطلب ترتب عليه انخفاض ملحوظ في الأسعار نتيجة لعدم موازنة رفع الإنتاج بارتفاع سعر الدولار، والذي سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط، ذلك أنه سيُخفض تكاليف الإنتاج مما يمكن الشركات من التنقيب عن النفط في أماكن منافسة لدول الخليج خاصةً في بريطانيا والنرويج وروسيا والبرازيل.

سيناريو الأزمة المفتعلة

يفترض هذا التصور قيام الولايات المتحدة برفع سعر الدولار لإحداث انخفاض في أسعار النفط للضغط على روسيا للوصول إلى تفاهم حول القضايا الدولية الشائكة بينهما من خلال إحداث عجز في ميزانيتها التي تعتمد في جزء مهم منها على الصادرات النفطية، حيث يمثل قطاع النفط والغاز أكثر من ثلث الناتج الإجمالي الروسي ونصف إيرادات الموازنة الاتحادية. وقد ارتفعت نسبة صادرات النفط والغاز من مجمل الصادرات الروسية من 33% عام 1994 إلى 61% في النصف الأول من 2014، وفي الثمانينيات أدّى هبوط سعر النفط إلى الأدنى بثلاث مرات إلى انهيار الاتحاد السوفييتي.

وطبقاً لهذا التصور، فإن انخفاض سعر النفط حالياً لا يمكن رده بالكامل لعوامل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي خاصةً في أوروبا وجنوب شرق آسيا والصين، ففي النهاية يظل أكبر مستهلك للنفط (الولايات المتحدة) وأكبر متنج له (السعودية) لا يرون غضاضة في خفض سعره.

وعلى الرغم من الاتفاق جزئياً مع هذا الطرح المتمثل في تراجع العائدات الروسية من الصادرات، والذي أدى إلى تراجع مؤشرات أسعار الأسهم الروسية وانخفاض سعر صرف العملة الروسية "الروبل" أمام الدولار، فإن ثمة حقيقة اقتصادية هي أن انخفاض سعر صرف "الروبل" يمثل عاملاً إيجابياً لنمو الإنتاج الروسي وليس سلبياً، حيث يزيد من قدرتها على مواجهة الواردات وزيادة التصدير للسلع غير النفطية، بما يعوض الميزانية الروسية إلى حد ما عن انخفاض العائدات النفطية.

ويتوقع بعض دُعاة هذا التصور أن هذا الانخفاض سينتهي بانتهاء "الأزمة الروسية – الأمريكية – الأوروبية"، والتوصل لصفقة سياسية تعود على إثرها أسعار النفط للارتفاع، حيث إنه ليس من مصلحة واشنطن ارتفاع سعر الدولار بما يؤدي لانخفاض صادراتها إلى باقي دول العالم.

الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة

تعتمد موازنات دول مجلس التعاون الخليجي ورؤيتها لعمليات الإنفاق بشكل أساسي على أسعار النفط، وبالتالي فإن انخفاض الأسعار سيؤثر على ميزانياتها، حيث تمثل العائدات النفطية في المتوسط 46% من عائدات دول المجلس، فيما تشكل الصادرات النفطية ثلاثة أرباع الصادرات، وتشكل الاحتياطات النفطية والغازية داعماً أساسياً للتصنيف الائتماني السيادي لها، إلا أن اقتصاداتها المعتمدة على النفط تشكل أيضاً نقطة ضعف نتيجة لتذبذب أسعاره وتأثره بالعديد من العوامل الخارجية.

وتُعد البحرين وسلطنة عُمَان الأكثر عرضة لمخاطر انخفاض أسعار النفط، بينما تبقى الإمارات وقطر الأقل عرضة للمخاطر نتيجة للتنوع الاقتصادي النسبي في الدولتين. وجدير بالذكر أن دولة الإمارات خفضت اعتماد اقتصادها على النفط إلى مستوى 30%، ولذلك فإن الانخفاض في أسعار النفط لن يكون له وقع كبير على النمو الاقتصادي وفقاً لمعالي سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي تراجع أسعار البترول إلى 75 دولار للبرميل لفترة طويلة، إلى أن تشهد دول الخليج انخفاضاً متوقعاً في فوائضها المالية من 275 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، ليتراجع من 7.75% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 إلى 1.25% في عام 2015، وأن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%. وعلى سبيل المثال حذر صندوق النقد الدولي السعودية من إمكانية أن تواجه عجزاً قدره نحو 1.4% عام 2015، بسبب نمو مشاريع البنية التحتية الكبرى وزيادة المساعدات الخارجية.

ويمكن إجمال المشكلات الناجمة عن هذه الأزمة فيما يلي:

  • حدوث اضطرابات في الموازنات العامة لدول الخليج في الأجل القصير مع احتمالات كبيرة لتحقيق عجز في موازناتها في الأجل الطويل إذا ما استمر هذا الاتجاه الهبوطي، حيث تعتمد دول الخليج بشكل كبير على عائداتها من النفط لوضع ميزانياتها الوطنية، وإذا ما انخفضت أسعاره، فمن الطبيعي أن تبدأ الحكومات في مواجهة عجز مالي.
  • بداية ظهور التباطؤ الاقتصادي في دول الخليج وتأثر مشاريعها في مجال البنية التحتية والقطاع الخاص سلبياً.
  • قد يدفع ذلك الحكومات إلى تسريع خطواتها لتخفيض الدعم على أسعار الطاقة، الأمر الذي قد يضر الصناعات المعتمدة على النفط مثل البتروكيماويات، حيث تنفق دول الخليج سنوياً ما مجموعه 160 مليار دولار على دعم أسعار الطاقة.
  • انخفاض الأسعار وارتفاع الدولار قد يخفض التضخم على المديين المتوسط والبعيد بشكل غير مباشر، وسيقلل من مستوى السيولة في الاقتصاد الخليجي، ولكن هذا النوع من انخفاض التضخم قد يكون خطراً لأنه قد يصاحبه انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
  • ستعاني دول الأوبك بسبب ضعف إقبال المستثمرين على الصناعة النفطية عندئذ لأنها ستصبح غير مربحة.

بدائل ومقترحات لمواجهة الأزمة

لمواجهة هذه المخاطر والإشكاليات السابق ذكرها، تتوافر العديد من الوسائل أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وأهمها (الموازنة العامة للدولة، وتفعيل مصادر الدخل غير النفطية)، حيث تعد الموازنة العامة للدولة بمنزلة الواجهة الأولى التي تواجه بها الدولة المصدرة للنفط مخاطر وإشكاليات انخفاض أسعاره، أي أنها المدخل الذي يمكن للحكومة من خلاله امتصاص الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط وتلافي عدم انتقاله أو التقليل من حدة انتقاله إلى باقي قطاعات الاقتصاد الوطني.

أما تفعيل مصادر الدخل غير النفطية لدول الخليج، فقد أصبحت ضرورة استراتيجية لمواجهة المخاطر والإشكاليات التي يفرزها خطر انخفاض سعر النفط الخام، وهي بمنزلة الوجه الثاني المقابل لدور الموازنة العامة، خصوصاً إذا علمنا أن نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إعداد الموازنة العامة لبعض دول الخليج لا تتجاوز (5%).

وتتضمن البدائل المتاحة أيضاً ما يلي:

خفض الإنفاق والتركيز في ضبط أوضاع المالية العامة على احتواء نمو النفقات الجارية، خاصةً أجور القطاع العام، وتحديد أولويات النفقات الرأسمالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، فقد أدى ارتفاع الإنفاق الحكومي في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع سعر النفط التعادلي - مستوى السعر الذي يحقق توازن الموازنة الحكومية - وفيما عدا قطر والكويت، يبلغ عجز المالية العامة الأولي غير النفطي مستوى أعلى مما يلزم لضمان إمكانية استمرار الإنفاق الحكومي عند نضوب الاحتياطيات النفطية.

اعتماد سياسة مالية تعمل على زيادة تنويع مصادر الإيرادات المالية للدولة، وتوجيه السياسة المالية لزيادة الإنفاق الاستثماري.

وضع سياسة مالية واقتصادية تأخذ موضوع مخاطر تقلبات أسعار النفط بعين الاعتبار عند إعداد الموازنات، مع وضع سياسات خاصة للتحوط من شأنها معالجة اختلالات الموازنة (العجز والفائض).

تقليص دعم أسعار الطاقة، وتقليل خسائر هدر الطاقة التي تُكلّف دول الخليج مجتمعة حوالي 50 مليار دولار سنوياً، وذلك بتطبيق إجراءات ترشيد الطاقة وسن القوانين لإيقاف هدر الكهرباء في المستقبل القريب.

استخدام الفوائض المتحققة من السنوات السابقة في معالجة هذه الاختلالات، حيث عملت كل دول المجلس، ما عدا البحرين، على تراكم أصول خارجية رسمية كبيرة، مما سيسهل عليها تجاوز حالة التراجع المؤقت في الدخل النفطي، وتشير التقديرات إلى أن مجموع الأصول الخارجية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بلغت حوالي 1.8 تريليون دولار أو أكثر من 115% من إجمالي الناتج المحلي عام 2012.

 اجتماع دول الأوبك والاتفاق على خفض معدلات الإنتاج لإعادة الاتزان لسوق النفط العالمي، وبالتالي رفع أسعاره.

تقليص المساعدات الخارجية وتوجيه مخصصاتها للإنفاق الاستثماري، ودعم البحث والتطوير والابتكار كمصادر لتحقيق النمو والتنوع الاقتصادي.

الخلاصة، إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد لا يُسبب مشكلة كبيرة لدول الخليج في الوقت الحالي، ولكن استمراره على هذا المنوال ستكون له تأثيرات وخيمة عليها على مدى السنوات القادمة، ومن ثم يتعين استخدام وانتقاء بعض البدائل المطروحة لتعزيز صلابة الاقتصاد الخليجي وزيادة مرونته وقدرته على تجاوز هذه الأزمة.